غوانجو.. أرض الكباش وجاذبة العرب
الإشارة.. اللغة الرئيسية فيها
دب الباندا الصيني النادر في حديقة السفاري
مئذنة مسجد الوقاص الذي يقال انه بني عام 627 ميلادية
لم تكن الأيام الخمسة التي قضيناها في أرض الكبش غوانجو كافية للاستكشاف.
فبعد سبع ساعات من التحليق من دبي على متن طيران الامارات تبدأ بمسابقة الزمن وخداع النوم والارهاق حتى لا تضيع على نفسك فرصة اقتحام احدى القلاع الصينية التي تجعلك بألوانها وشوارعها وابنيتها وناسها ونهرها مأسورا بما تحققه الصين من تقدم اقتصادي على الرغم من الاحباط من فقدان التواصل مع الصينيين هناك، حيث نادرا ما تلتقي بواحد من اهل البلد يتحدث بالانجليزية فتصبح لغة الاشارة لغة عالمية بامتياز.
غوانجو هي عاصمة مقاطعة غواندونغ جنوبي الصين، ويبلغ عدد سكانها طبقا للاحصاءات الرسمية 7.3 مليون نسمة، الا ان الاجماع ان عدد سكانها يتجاوز العشرة ملايين. وتتجاور المدينة مع هونغ كونغ ومكاو.
وفي عصر قطف اوراق الشاي كانت غوانجو تعرف لدى الغرب باسم كانتون وما زالت اللغة السائدة هنا ومطبخها يعرفان باللغة والمطبخ الكانتوني. وبرغم ندرة المتحدثين بالانجليزية من الناس العاديين، الا أن بعض المباني في وسط المدينة تحمل لافتات بالعربية.
فمدينة غوانجو مركز تجاري مهم يتدفق عليها اعداد متزايدة من رجال الأعمال والتجار العرب لعقد الصفقات وشراء المنتجات الصينية. وفي المدينة كثير من المطاعم العربية والتركية التي تلقى رواجا كبيرا لدى العرب الذين لا يستسيغون كثيرا الطعام الصيني، ولأنهم غالبا ما يريدون تناول لحوم (حلال) لا توفرها المطاعم الصينية.
الطريف ان مرشدتنا السياحية الصينية اصطحبتنا في اليوم الثاني من وجودنا في غوانجو الى مطعم في وسط المدينة لتناول الغداء فكان اسم المطعم غريبا «المطعم الاسلامي» والوجوه كانت أغرب فجميع النادلات الصينيات كن يرتدين ازياء «اسلامية» ـ باعتقاد ادارة المطعم على ما يبدو ـ الا ان هذه الازياء كانت ملابس تقليدية لمناطق في آسيا الوسطى احيانا وتركيا احيانا اخرى! وعلى كل حال لم يكن الطعام المقدم بالجودة التي نتوقعها فاتفقت مجموعتنا على اعطائه علامة اثنين من عشرة!
وفي غوانجو تجد الكثير من العرب المقيمين في المدينة منذ سنوات بغرض التجارة وتقديم خدمات للزوار العرب من رجال الاعمال. احد هؤلاء، وهو ليبي من طرابلس الغرب، مقيم في المدينة منذ ثماني سنوات الا انه لم يتقن بعد التحدث بالكانتونية متعللا بأنها «بالغة الصعوبة»، كما انه لم يتقبل على الاطلاق المطبخ الكانتوني وهو يحن الى «الكسكس» و«المبكبكة» و«البازين» و«العصبان» وقد تفهمت رفضه خاصة عندما قرأت في «مينيو» مطعم كانتوني زرناه لتناول الغداء في اليوم الثالث ان الطبق الرئيسي هو «لحم التمساح» والحساء هو «شوربة العقارب» فاكتفينا بالسلطة والمقبلات فالحلويات وشاي الياسمين اللذيذ.
ولغوانجو تاريخ عريق يعود الى 2500 سنة يبدأ بأسطورة تأسيسها تقول بأن المدينة كانت قرية صغيرة اصابها المحل وضربت المجاعة سكانها القلائل الذين اصبحوا على حافة الموت حتى ظهر على حين خمسة كائنات سماوية برفقتها خمسة كباش هائلة حاملة حزما من الارز انقذت أهل القرية وباركت الارض وقدمت لهم الحزم كرمز للازدهار والوفرة. وبعد مغادرة تلك الكائنات الاسطورية تحولت الكباش الى تماثيل حجرية. وعلى خلفية هذه الاسطورة اصبح لغوانجو اسماء عدة مثل «مدينة الكباش» و«مدينة حزم الارز».
ويتميز تاريخ المدينة بالغنى ففي عام 786 ميلادية غزاها الفرس ونهبوها وفي 1711 اسست شركة الهند الشرقية البريطانية مكتبا تجاريا هناك وفي 1842 تم توقيع معاهدة نانجنغ التي جعلتها واحدة من الموانئ الخمسة التي يسمح لها بالتعامل التجاري مع الاجانب.
وكانت غوانجو ايضا جزءا من طريق الحرير الشهير الذي ربط الصين بالهند وجنوب شرق آسيا والشرق الاوسط وافريقيا. ونتيجة لهذه العلاقة مع العالم العربي اسس المسلمون مسجدا في المدينة عام 627 ميلادية يعرف بمسجد الوقاص او هوايشينغ وهو اقدم مسجد في الصين، ويتميز بمئذنته البيضاء الشاهقة التي تشبه المنارة، ولا تزال هناك اقلية من المسلمين تعيش في المدينة الى اليوم. وعلى الرغم من قلة شهرة المدينة كمقصد سياحي مقارنة ببكين وشنغهاي مثلا، الا ان غوانجو تمتلك الكثير من المعالم السياحية الرائعة مثل معبد غوانغ زياو البوذي الذي بني في القرن السابع الميلادي ويعتبر محجا للبوذيين اتباع زن، وقاعة صن يات سن التذكارية المخصصة لتخليد الدكتور صن يات سن مؤسس اول نظام جمهوري في الصين وابن هذه المدينة وبنيت عام 1931 ومسكن زيغوان والذي يعتبر آية معمارية تعكس عبقرية الهندسة الصينية وتفاصيلها الفنية وبني في عام 1888 كمقر لأفراد العائلة التي تحمل الاسم نفسه حيث يجتمعون فيه اثناء وجودهم في المدينة لقضاء شؤونهم التجارية والسياسية وغيرها.
كما لا بد من زيارة متحف فنون غوانجو الذي يضم بين جنباته اكثر من عشرة آلاف عمل فني ابرزها اللوحات الحروفية واللوحات الصينية التقليدية والمنحوتات والفن البوذي التبتي. وفي المتحف قاعة يمكن للزوار فيها شراء معروضات فنية اصلية وتذكارات مختلفة.
وفي المدينة حدائق واسعة كثيرة منها متنزه يوزيو او غونغ يوان وهي اكبر حديقة في الصين وفيها تلال وبحيرات عديدة، وايضا لا بد من زيارة حديقة زيانغ جيانغ للحيوانات وهي متنزه سفاري ضخم يحتوي اكثر من خمسة آلاف نوع من الحيوانات البرية كالدببة والباندا والاسود والنمور والطيور والغزلان وغيرها والتي يشاهدها الزائر حرة على طبيعتها في البرية مع وجود حواجز طبيعية امام الحيوانات الكاسرة لحماية الزوار.
والتسوق في غوانجو حديث ذو شجون فالاسعار معتدلة وجودة البضائع متفاوتة ولكنها في الغالب جيدة اذا كنت في السوق المناسب. ويمكنك في كثير من الاسواق المساومة ولكن بلغة الاشارة وبالآلة الحاسبة!
فالبائع يطبع سعر السلعة على الحاسبة فتساوم انت بطباعة رقم اقل وهكذا تجري عملية البيع الى ان تصل الى ما تعتقد انها صفقة جيدة الا ان البائع قد يغضب منك اذا كنت مصرا على عدم دفع ما يريده بعد هذه «المنازلة» الرقمية فيمتنع عن البيع.
من الاسواق التي ينصح بزيارتها سوق زيغوان للانتيكا وفيه كل ما يخطر على البال من بضائع قديمة، وسوق الورود وسوق حجر اليشب الكريم للمجوهرات والسوق الثقافي الذي يعتبر مكانا جيدا لشراء المنتجات الفنية والتقليدية وشارع بيجنغ لو وهو اهم شوارع التسوق في المدينة مخصص للمشاة فقط الا ان المزعج فيه الباعة المروجون للسلع المقلدة من ساعات وملابس وافلام مقرصنة الذين يلاحقونك لشراء بضائعهم. وفي المدينة ايضا كثير من مراكز التسوق «المول» التي تعرض بضائع وسلعاً شهيرة بأسعار عالية وهنا لا يمكن المساومة.
اخيرا لا بد من الاشارة الى ان زيارة مدينة الكبش في اشهر الصيف امر مزعج للغاية فدرجات الحرارة المرتفعة مع نسب الرطوبة العالية تجعل من التجول في المدينة امرا غير مستحب وكأنك داخل ساونا وبالتالي فإن افضل وقت للزيارة حسب المقيمين العرب هناك هي ابريل واكتوبر. وغوانجو هي البوابة الرابعة لطيران الامارات الى الصين بعد بكين وشنغهاي وهونغ كونغ حيث يبلغ عدد رحلاتها الى هذه الدولة 71 رحلة اسبوعيا منها ست رحلات اسبوعيا الى غوانجو.